يُعد الجيش القطري أحد الجيوش الصاعدة في منطقة الخليج. خلال السنوات العشر الماضية، شهد الجيش قفزات نوعية في مستوى التسليح والتدريب، ورغم صغر حجم الجيش القطري النسبي استثمرت قطر بشكل مكثف في بناء قوة عسكرية حديثة، تعتمد على أحدث التقنيات الدفاعية بالتعاون مع حلفاء دوليين لتعزيز قدراتها الدفاعية والهجومية.
تأسس الجيش القطري عام 1971 بعد استقلال البلاد عن الوصاية البريطانية، تكون الجيش في بداياته من قوة تختص بحفظ الأمن الداخلي، تتألف من وحدات برية صغيرة مدعومة بعدد محدود من المدرعات والأسلحة الخفيفة.
ومع تنامي دور قطر الإقليمي، بدأت قطر في تطوير قواتها المسلحة لتكون قادرة على حماية الدولة وتأمين مصالحها. ومنذ عام 2015، أقرت قطر التجنيد العسكري الإلزامي لمواطنيها، وتشير تقديرات إلى أن معدلات تخرج القطريين تصل إلى نحو 2000 مجند سنويًا.
وشهد الجيش القطري تحديثًا جذريًا في العقود الأخيرة، وبالخصوص مع التغيير السياسي الذي شهدته البلاد بتولي الأمير السابق الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني مقاليد الحكم في يونيو 1995، حيث دخلت الخدمة أنظمة قتالية حديثة في جميع أفرع الجيش ووحداته. وكان لتوقيع اتفاقيات دفاعية مع قوى كبرى مثل الولايات المتحدة، فرنسا، تركيا وإيطاليا دور بارز في نقل الجيش القطري إلى مستوى متقدم من الجاهزية والتسليح.
وكانت قطر قد سجلت في عام 2022 ارتفاعًا ملحوظًا في الإنفاق العسكري بمعدل نمو قدره 27 في المئة ليصل الإنفاق العسكري إلى 15.4 مليار دولار. وهو ما مثل، وقتئذ، طفرة غير اعتيادية في الإنفاق، كما ويمكن اعتبار عام 2017 منعطفًا وعامًا استثنائيًا في الإنفاق العسكري القطري على خلفية الأزمة الخليجية.
القدرات العسكرية للجيش القطري

القوات البرية
تُعد القوات البرية العمود الفقري للجيش في قطر، وهي مجهزة بمجموعة متنوعة من الدبابات والمركبات المدرعة الحديثة، من أبرزها:
- دبابات Leopard 2A7+ الألمانية: عددها 62 دبابة، وهي من دبابات القتال الرئيسية عالميًا وتتميز بدروع متطورة وأنظمة استهداف دقيقة.
- مدرعة Piranha V لنقل الأفراد: 38 مركبة قتال للمشاة وهي من الجيل الخامس من عائلة مركبات Mowag Piranha . صممتها شركة General Dynamics European Land Systems
- مركبات VBCI الفرنسية: عددها 490 مركبة وتُستخدم في العمليات البرية والدعم اللوجستي وتجري الدوحة الآن تفاوضًا مع الشركة الفرنسية المصنعة لتحديث مركباتها.
- مدافع هاوتزر PzH 2000 الألمانية: مدافع ذاتية الدفع، بمدى يصل إلى40 كم وتُستخدم لضرب الأهداف بعيدة المدى. وكانت قطر قد أعادت إلى ألمانيا نصف مدافعها من هذا الطراز بعد شراء مدافع الهاوتزر من طراز RCH 155 8×8 وذلك بهدف تحديث مخزونها فيما أرسات المانيا مدافع PzH 2000 المستخدمة إلى أوكرانيا.
- عربات استطلاع مدرعة Fennek: من انتاج (ألمانيا/هولندا) ويقدر عددها بنحو 32 عربة.
- دبابة تركية من طراز Altay: تعاقدت الدوحة على شراء 100 إلا أن مشكلات تقنية تسببت في تأجيل تسليمها.
وتضم القوات البرية أيضًا وحدات متخصصة في الحرب غير التقليدية والقوات الخاصة القطرية التي تُعرف بتدريباتها عالية المستوى، ويتم إعداد وتدريب هذه القوات بالتعاون مع القوات الخاصة الأمريكية والتركية.
سلاح الجو القطري
يُعتبر سلاح الجو القطري من أقوى أفرع القوات المسلحة بفضل امتلاكه مجموعة من الطائرات المقاتلة الحديثة:
- مقاتلة رافال فرنسية الصنع: عددها 36 هي طائرات متعددة المهام مزودة بأنظمة تسليح ورادارات متطورة. تسلمت قطر الدفعة الأولى من طائرات “رافال” الفرنسية المقاتلة في يونيو 2019 ضمن اتفاقية موقعة مع فرنسا عام 2015 لتسليم 24 طائرة ثم ألحق بها لاحقًا بند لزيادة العدد بـ 12 طائرة.
- مقاتلة F-15QA أمريكية، عددها 48 وهي النسخة الأحدث من طائرات F-15وصممت خصيصًا لقطر تحت مسمى “أبابيل” وبدء تسليمها في عام 2021 وتتميز بإلكترونيات طيران متقدمة.
- مقاتلة تايفون (Typhoon): عددها 24 طائرة بريطانية – أوروبية ذات قدرة عالية على المناورة والقتال الجوي. وجددت قطر طلبًا جديدًا من الطائرات بعدد 12 طائرة أواخر العام 2024.
- طائرات MQ-9 Reaper الأمريكية: طائرات بدون طيار تستخدم في المراقبة والاستطلاع وتنفيذ ضربات جوية دقيقة. في مارس 2025، أعلنت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) أن وزارة الخارجية وافقت على صفقة محتملة لبيع طائرات مسيرة وأسلحة متقدمة لقطر مقابل 1.96 مليار دولار، تشمل الصفقة عدد 8 طائرات مسيّرة من طراز MQ-9B وترافق هذه الصفقة ذخائر موجهة وذخائر بحرية متقدمة (مثل 200 قنبلة ذكية JDAM و110 صواريخ Hellfire II)
- بيرقدار TB2 التركية: اشترت قطر في البدء 6 طائرات من هذا الطراز بموجب اتفاق وقعته مع شركة بيكار التركية لصناعة الطائرات في مارس 2018. وتعتبر قطر أول مشغل خارجي للطائرة وتبعتها الإمارات بطلب يزيد عن 100 طائرة ثم السعودية.
- هليكوبتر هجومي من طراز AH-64E Apache Guardian: عددها 24 وهي مزودة بصواريخ Hellfire وصواريخ مضادة للطائرات Stinger وصواريخ موجهة بالليزر.
القوات البحرية القطرية
استثمرت قطر في تطوير أسطولها البحري، وحصلت على الناقلة البرمائية الضخمة الفلُك (Al-Fulk) بطول نحو 143 مترًا بداية ديسمبر 2024 بعد بنائها من شركة فينكانتيري الإيطالية، توفر هذه السفينة المدرعة (LPD) منشآت إنزال للآليات والقوات ومنصة هبوط لمدرعات جوية ما يمكن قطر من تنفيذ عمليات إنزال ودعم بري ميداني. تأتي هذه الصفقة ضمن برنامج بحري ضخم شمل سابقًا تسليم أربع فرقاطات “الزبارة” واثنين من الدوريات الساحلية (OPV) من فئة “مشيرب”.
وذكرت مجلة “فوربس” الأمريكية عام 2020 أن قطر “ستصبح أول دولة خليجية تقوم بتشغيل غواصات وحاملة طائرات، بعد أن وقعت صفقة قيمتها 5 مليارات يورو مع شركة الدفاع الإيطالية العملاقة “فينكانتيري” لبناء سفن حربية وغواصات متطورة، وإنشاء قاعدة بحرية خارجية”.
في مارس 2024 تعاقدت وزارة الدفاع القطرية مع شركة Dearsan التركية على بناء زورقين مسيّرين سريعين بطول 50 مترًا (FAC-50) مزوّدين بصواريخ مضادة للسفن وأنظمة دفاع جوي قصير المدى.
وفي أكتوبر 2020، كشفت مجلة “إنتيليجنس أونلاين” الفرنسية عن “استحواذ شركة الدفاع القطرية العملاقة “برزان القابضة” على حصة من أسهم الشركة الإيطالية “جي إس إي تريست ووصفت الصفقة بالإستراتيجية، حيث تبني الشركة “غواصات تكتيكية صغيرة تستخدمها قيادة العمليات الخاصة الأميركية وقوات العمليات الخاصة الأخرى على نطاق واسع كما أكدت أن الدوحة طلبت شراء 4 من تلك الغواصات”.
وتسلمت قطر مؤخراً أربع سفن عسكرية من تركيا ضمن مشروع “الإبرار”. كما تستحوذ على كورفيتات من فئة سميسمة، وتعد هذه الفئة جزءًا من برنامج استحواذ بحري قطري أكبر وهي مصممة للقيام بمهام متعددة، بما في ذلك الدوريات والمراقبة وحماية المناطق الاقتصادية.
في عام 2019، افتتحت قطر قاعدة بحرية جديدة جنوب الدوحة وتخطط لرفع عدد منتسبي القوات البحرية من نحو 3000 إلى 7000 بحلول هذا العام.
الدفاع الجوي والأنظمة الصاروخية
تمتلك قطر منظومة دفاع جوي قوية تتكون من:
منظومة ثاد THAAD: تعد هذه المنظومة الأمريكية أحدث وأقوى أنظمة الدفاع الصاروخي وتستخدم لاعتراض الصواريخ الباليستية متوسطة وبعيدة المدى خارج الغلاف الجوي.
أنظمة باتريوت PAC-3: نظام دفاع جوي صاروخي أرض-جو يتكون من رادار ونظام تحكم وعدة قاذفات، وتوفر دفاعًا جيدًا ضد الصواريخ الباليستية والطائرات المقاتلة وصواريخ الكروز.
منظومة ناسامز NASAMS: نظام دفاع جوي أرض- جو متوسط المدى يتميز بقدرته على التصدي لمجموعة واسعة من التهديدات الجوية بما في ذلك الطائرات المقاتلة وصواريخ الكروز والطائرات بدون طيار. صممت المنظومة بواسطة شراكه بين شركتي رايثيون الأمريكية وكونجسبرج النرويجيّة.
منظومة SAMP/T الأوروبية: تعتمد على صواريخ Aster-30 وتستخدم في التصدي للصواريخ الجوالة والطائرات بدون طيار. تتضارب المصادر حول امتلاك قطر لهذه المنظومة.
رادارات الدفاع الجوي AN/FPS-132 الأمريكية: توفر إنذارًا مبكرًا ضد أي تهديدات جوية محتملة.
القوات الخاصة الأميرية ومشروع 401
أعلنت قطر عن مشروع تدريب شامل تحت مسمى Project 401 وهو عبارة عن مركز متطور لعمليات القوات الخاصة يضم منشآت برية وبحرية متقدمة.
يشمل المشروع بناء مدينة وهمية للتدريب ومحاكاة لسيناريوهات العمليات عسكرية وعمليات إنقاذ معقدة باستخدام تقنيات الواقع الافتراضي والمعزز، افتتح حتى الآن موقعان لهذا المشروع: الأول يختص بتدريب القوات البحرية والثاني في قاعدة السيلية الجوية في الدوحة، حيث تم تخصيص ميادين رماية بطول 300 و600 متر ومواقع محاكاة لإطلاق نار بزاوية 360° وطائرة مدنية وهمية للتدريب على مكافحة الإرهاب وحوادث الرهائن، فضلاً عن مضمار للقيادة والقتال في المدن.
يهدف مشروع 401 إلى تدريب القوات الخاصة القطرية على سيناريوهات متنوعة تشمل عمليات الانقاذ والإجلاء الطبي والقتال للمتفجرات والكلاب البوليسية، إضافة إلى مهارات غير قتالية مثل التفاوض وإدارة الأزمات.
حجم القوات والميزانية العسكرية
وفقًا لموقع “غلوبال فاير باور”، يقدر تعداد الجيش القطري بنحو 26,500 جنديًا وفق هذا التقسيم: القوات البرية بتعداد 12500 جنديًا، القوات البحرية بنحو 4500 جنديًا، والقوات الجوية 5000 جنديًا، قوات الدفاع الجوي بنحو 2650 جنديًا، القوات الخاصة بنحو 1900 جنديًا، وبالإضافة إلى ذلك، يؤكد الموقع أن قوات الاحتياط تبلغ نحو 4000 جنديًا.
تعتمد قطر على التدريب الدولي من خلال اتفاقيات مع كل من الولايات المتحدة وتركيا وفرنسا وهو ما يمنح قواتها خبرات تكتيكية متميزة.
تعتبر قطر من أعلى الدول الخليجية إنفاقًا على التسليح مقارنة بحجمها، حيث بلغت ميزانيتها الدفاعية نحو 11 مليار دولار في عام 2024، وهو ما يعكس التوجه نحو بناء جيش مجهز بأحدث التقنيات والأسلحة.
ورغم أن قطر لم تشارك في حروب إقليمية مباشرة إلا أن قواتها المسلحة كانت نشطة في عدة عمليات:
- دعم التحالف الدولي ضد داعش في سوريا والعراق: وذلك من خلال تقديم دعم لوجستي واستخباراتي.
- الحرب في ليبيا: ساهمت قطر عبر قواتها الجوية في مساندة القوات الأمريكية والأوربية.
- المشاركة في عمليات حفظ السلام: يشمل ذلك عدة مناطق، من أبرزها أفغانستان والقرن الإفريقي.
- المساعدات العسكرية واللوجستية: مثل مساعدتها تركيا خلال محاولات تأمين ليبيا ودعم الحكومة الشرعية في السنوات الأخيرة.
الاتفاقية العسكرية بين قطر وتركيا
تتمتع دولة قطر بعلاقات دفاعية قوية مع كل من الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي (الناتو). تستضيف قاعدة العديد الجوية أكبر قاعدة عسكرية أمريكية في الشرق الأوسط وتلعب هذه القاعدة دورًا حيويًا في العمليات العسكرية الأمريكية في المنطقة. وترتبط قطر والولايات المتحدة بعلاقات عسكرية وثيقة، تشمل التعاون في التدريب العسكري وتبادل المعلومات الاستخباراتية.
في عام 2022، صنفت الولايات المتحدة قطر كحليف رئيسي من خارج الناتو، وهو وضع يمنح قطر مزايا كبيرة في التعاون الدفاعي.
بالتوازي، تعمل قطر على تعزيز علاقاتها مع حلف الناتو، وتشارك في العديد من أنشطة وبرامج الحلف. ووقعت قطر اتفاق لفتح مكاتب بعثة دولة قطر وممثليتها العسكرية بقيادة الناتو في بروكسل ويوجد تعاون مستمر في مجال تبادل الخبرات العسكرية والتدريب والمعلومات الاستخباراتية.
إلى ذلك، تعتبر الاتفاقية العسكرية بين قطر وتركيا التي صادق عليها البرلمان التركي في يونيو 2017، أهم اتفاقية دفاع مشترك ودخلت الاتفاقية حيز التنفيذ وسط أزمة سياسية خليجية وتحركات سعودية إماراتية بحرينية مصرية تهدف إلى عزل قطر ومحاصرتها بعد قطع العلاقات معها على خلفية اتهامات ترفضها الدوحة وتقول إنها غير مبررة.
وجرى بموجب هذا الاتفاق فتح قاعدة عسكرية تركية في قطر، كما نص الاتفاق على إمكانية نشر قوات تركية على الأراضي القطرية. ووصلت أول دفعة من القوات البرية التركية من فيلق طارق بن زياد إلى الدوحة “في أكتوبر عام 2015، تتألف من 130 جنديا وعدد من المدرعات العسكرية، ويتوقع أن يصل عدد القوات التركية في هذه القاعدة إلى خمسة آلاف جندي في إطار هذه الاتفاقية.”
خلاصة
يُعد الجيش القطري قوة عسكرية صاعدة تعتمد على أحدث التقنيات العسكرية والتدريب الدولي لتعزيز جاهزيتها الدفاعية والهجومية.
ومع صغر حجم جيشها مقارنة بجيوش كبرى مثل السعودية والإمارات وإيران والعراق، إلا أن تجهيزات الجيش القطري المتطورة وشراكاته الدفاعية الاستراتيجية تجعل منه لاعبًا مهمًا في المنطقة.
رغم ذلك، لا تزال الشراكات والتحالفات العسكرية مع الولايات المتحدة والناتو وتركيا والتحالف ضمن دول مجلس التعاون الخليجي، الركيزة التي تعتمد عليها قطر في ضمان أمنها وسيادتها.