صباح نعوش
حققت السعودية وإيران والعراق تقدماً في صناعاتها العسكرية خاصة في السنوات الأخيرة لكن مستوى هذا التقدم يختلف من دولة إلى أخرى. كما أن هذه الصناعات تجميعية بالمقام الأول وتعتمد على استيراد المعدات ونقل التكنولوجيا.
لا شك أن إيران والسعودية والعراق هي أقوى ثلاث دول على ضفاف الخليج من الناحية العسكرية. ويتم تحديد درجة القوة وفق عدة مؤشرات من أهمها حجم الأسلحة البرية والجوية والبحرية وتعداد الجيوش.
طبق موقع كلوبال فاير باور الأمريكي هذه المؤشرات على 145 بلداً فحصل في 2025 على النتائج التالية: نالت إيران المرتبة العالمية رقم 16 والسعودية رقم 24 والعراق رقم 43. لكن هذا الترتيب لا يأخذ بنظر الاعتبار مؤشرات أخرى في غاية الأهمية ترتبط بالخصوصيات العسكرية الخليجية:
أولاً: فاعلية الأسلحة
يعتمد هذا الترتيب بالدرجة الأولى على عدد المعدات العسكرية في مختلف الميادين لكنه لا يهتم بفاعليتها. وتصح هذه الملاحظة أيضاً على العسكريين ومدى الكفاءة ومستويات التدريب.
ثانيًا: الأسلحة غير التقليدية
لا يعتد ذلك الترتيب بالأسلحة الكيماوية والبيولوجية والنووية. في حين تلعب هذه الأسلحة دوراً بارزاً في بعض بلدان الخليج خاصة إيران.
ثالثاً: العلاقات الدولية
تعتمد الصناعات المدنية والعسكرية في جميع دول الخليج بما فيها إيران والعراق على الاستيراد نظراً لكونها صناعات تجميعية بالدرجة الأولى. لذلك، تتوقف تنميتها على طبيعة هذه العلاقات واستقرارها.
تعاني طهران منذ عدة سنوات من تردي علاقاتها مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوربي ودول أخرى بسبب برامجها النووية والصاروخية. أدى هذا الوضع إلى فرض عقوبات أمريكية وأوروبية وأممية على إيران أثرت سلبياً على جميع أنشطتها الاقتصادية بما فيها الصناعية. ورغم بعض المشاكل، لا تواجه السعودية والعراق مثل هذه العقوبات.
رابعاً: التصنيع العسكري
لا يتضمن الترتيب دراسة فحص الصناعات العسكرية في البلدان. هو لا يميز بين الأسلحة المستوردة والأسلحة المصنعة محليًا في حين أن مستوى التصنيع الحربي المحلي هو من أبرز ملامح القوة العسكرية.
المؤسسات العسكرية
تتطلب دراسة الصناعات العسكرية في دول الخليج التعرف على مؤسساتها الصناعية والأسلحة التي تنتجها. ويتعين التطرق إلى تأثير مالية الدولة على القوة الحربية والتصنيع العسكري.
لكل دولة مؤسسة عسكرية تشرف على عدة شركات متخصصة في صناعة سلاح معين. قد تكون هذه الشركات مملوكة للمؤسسة أو مرتبطة بها باتفاقات شراكة.
أولاً: هيئة التصنيع الحربي العراقية
تأسست هيئة التصنيع العسكري في 1971 وازدهرت منتجاتها خلال الحرب ضد إيران 1980-1988 لكنها تدهورت لاحقاً لسببين: السبب الأول الحصار الدولي الشامل والفاعل المفروض على العراق بعد احتلال الكويت والذي أرهق الصناعات المدنية والعسكرية وجميع الأنشطة الاقتصادية العراقية. والسبب الثاني هو أن الولايات المتحدة كانت قد دمرت بالفعل جميع المصانع العسكرية التابعة للهيئة.
طُبق الحصار من 1990 ولغاية حرب العراق 2003 وبدلاً من أن تنهض الصناعات العسكرية بعد ذلك حدث العكس تمامًا. قررت واشنطن حل الجيش العراقي وإلغاء جميع مؤسساته بما فيها هيئة التصنيع العسكري. لذلك، لم يحدث أي تقدم صناعي خلال فترة لا تقل عن 15 سنة بعد الاحتلال الأمريكي.
تم إحياء هيئة التصنيع الحربي بالقانون رقم 25 لسنة 2019 الذي ينص على ضرورة تطوير التصنيع العسكري وتلبية حاجات القوات المسلحة (الجيش والشرطة والحشد الشعبي والبيشمركه).
لتحقيق هدفها قامت الهيئة بإعادة تأهيل بعض المصانع التي كانت عاملة قبل الاحتلال. ولغاية منتصف 2024 أصبح للعراق 23 مصنعاً عسكرياً منها الربيع (كان يسمى النداء) والكرامة والرشيد واليرموك وحمورابي والتحدي وتبوك والقادسية.
ثانيًا: سامي السعودية
تسعى سامي إلى تحقيق هدفين أساسيين بحلول عام 2030: الهدف الأول توطين على الأقل 50% من مشتريات الأسلحة وفق الرؤية السعودية والهدف الثاني أن تظهر الشركة في قائمة تضم أكبر 25 شركة صناعية عسكرية في العالم.
على الصعيد العملي حققت سامي تقدماً كبيرًا لكنه لا يزال بعيداً عن الطموحات المخطط لها. إذ أن المعدل السنوي الفعلي للتوطين 1.9% في يستوجب الهدف تحقيق نسبة 4% على الأقل.
استطاعت الشركة في 2023 بلوغ المرتبة رقم 75 في قائمة تضم أكبر مائة شركة صناعية عسكرية في العالم وهي بذلك الشركة العربية الوحيدة في هذه القائمة. أما الوصول إلى المرتبة 25 فيتطلب أن تتضاعف إيرادات الشركة على الأقل خمس مرات (من مليار إلى خمسة مليارات دولار).
ثالثاً: منظمة الصناعات الدفاعية الإيرانية
مؤسسة صناعية وتجارية تابعة لوزارة الدفاع. تأسست في 1981 أي بعد أشهر من اندلاع الحرب ضد العراق. تستخدم 35 ألف شخص. وتتكون من حوالي 300 شركة متخصصة في صناعة نوع معين من الأسلحة: المدفعية والمتفجرات والمسيرات والمدرعات والأسلحة الكيماوية والبيولوجية والبرامج الصاروخية والنووية. مهمتها تزويد القوات المسلحة الإيرانية بالأسلحة والذخائر اللازمة.
كما تهتم المنظمة بالجانب التجاري. فقد صدرت أسلحة إلى دول عديدة. على سبيل المثال أبرمت عقوداً مع الحكومة السورية السابقة تتعلق بأسلحة عديدة منها قذائف الهاون ونظام الدفاع الجوي خرداد 15 المزود بصواريخ صياد. وعقدت اتفاقات مع شركات أجنبية لشراء المعدات العسكرية كالاتفاقات مع شركة ليمت الصينية.
المنتجات العسكرية
أحرزت إيران تقدماً سريعاً في الصناعات العسكرية من حيث الكمية والأصناف. في حين تتسم الصناعات العسكرية السعودية بتقدمها البطيء، أما العراق فلا يزال من هذا الجانب في المراحل الأولى رغم ماضيه الزاهر.
ينتج العراق مسدس بابل عيار 9 ملم (طارق سابقاً). وهو في الأصل مسدس بيريتا أم 1951 الإيطالي. من إنتاج مصنع حمورابي الذي يمكنه تصنيع 30 ألف مسدس في العام الواحد.
كما تنتج الهيئة عدة بنادق: بندقية تبوك في مصنع تبوك وهي نسخة من زاستافا أم 170 اليوغسلافية. وبندقية أم 4 الأمريكية المنشأ وبندقية كلاشنكوف السوفيتية مع عتادها.
وتصنع الهيئة قذائف الهاون 82 ملم و120 ملم في مصنع الربيع. وتنتج الدولة صاروخ اليقين أرض – أرض مداه حوالي 15 كلم ويحمل متفجرات يصل وزنها إلى طن واحد.
مدفع التحدي ينتجه مصنع التحدي وهو روسي المنشأ. وينتج مصنع الربيع الهيكل الخارجي لمدرعة الأبهر أما محركها فهو فورد الأمريكي وتم تزويد وزارة الداخلية بخمسين نسخة منها.
ويتولى مصنع الربيع تصنيع مدرعة نورينكو في أن 22 وهي صينية المنشأ سداسية الدفع ومزودة بمدفع رشاش ثلاثي الفوهات من عيار 12.7 ملم، يمكنه إطلاق حوالي ألف طلقة في الدقيقة.
ولمصنع الكرامة ثلاثة أنواع من المسيرات، وهي صقر 1 وصقر 2 وحارس. وهي طائرات دون طيار استطلاعية وليست مقاتلة وتستخدم غالبًا لمراقبة الحدود.
وكما هو الحال في إيران، حققت السعودية تقدماً ملحوظاً في الصناعات الحربية بمختلف أشكالها، وفيما يلي بعض منتجات هذه الصناعات:
رشاش أبي 95 ملم وبندقية معركة وبندقية اقتحام وبندقية جي، وهذه الأسلحة ألمانية المنشأ.
قاذفة قنابل أي جي أس 30 وراجمة صواريخ توس 1 وصاروخ كورنت 9 ام 133 المضاد للدروع، وهذه أسلحة روسية المنشأ.
شاحنة تاترا بعدة أصناف وهي تشيكية. مسيرة لونا وهي طائرة استطلاعية مداها 65 كلم وسرعتها 70 كلم/ساعة ووزنها 20 كلغم، وهي مملوكة لشركة أي أم تي بنزبيرك الألمانية.
مسيرة فستيل كارييل، وهي استطلاعية ومقاتلة في آن واحد بزن 550 كلغم. قادرة على التحليق لمدة عشرين ساعة وهي تركية المنشأ.
مسيرة صقر 1 وهي هجومية تحمل صواريخ وقنابل موجهة بالليزر، وكذلك صقر2.
مدرعة الفهد وتسمى الفارس، وهي ناقلة جنود برمائية مقاتلة واستطلاعية من إنتاج شركة عبد الله الفارس للصناعات الثقيلة. وهنالك أيضاً مدرعة صخر ومدرعة الشبل وصاروخ شاهين ومدرعة الفيصل.
بالنسبة لإيران، فهي تنتج مختلف أصناف الأسلحة وبكميات كبيرة وتهتم بتطويرها بصورة مستمرة.
لإيران صواريخ كثيرة منها: خيبر ومداه 2000 كلم يحمل رؤوساً حربية وزنها 1.8 طنا، وصاروخ سومار مداه 2000 كلم بارتفاع منخفض، وصاروخ الحاج قاسم مداه 1400 كلم ويزن سبعة أطنان ويمكنه تدمير المباني الخرسانية، وصاروخ سجيل مداه 2500 كلم ويزن 23 طنا وهنالك مجموعات أخرى من صواريخ فتاح وشهاب وعماد.
واشتهرت الدولة بتصنيع عدة أصناف من المسيرات أهمها شاهد 136 مداها 4000 كلم وسرعتها 180 كلم/ساعة ووزنها 200 كلغ وتحمل 50 كلغ من المتفجرات. لا تزال هذه المسيرة تلعب دوراً بارزاً في الحرب الروسية على أوكرانيا فبسبب رخصها تم التعاقد بين روسيا وإيران على إنتاجها في منطقة تتارستان. الإنتاج مشترك إيراني روسي بالتعاون مع الصين، وحسب كييف أطلق الجيش الروسي على أوكرانيا 8060 مسيرة من هذا الطراز لغاية سبتمبر 2024.
صناعة الأسلحة في إيران كما هو الحال في دول مجلس التعاون والعراق تعتمد اعتماداً أساسياً على الأسلحة الروسية والصينية والأمريكية. تذكر التقارير بأن صناعة مسيرة شاهد 136 عبارة عن خليط من أجهزة أمريكية ويابانية.
ينتج الإيرانيون أيضًا مسيرة شاهد 171 وهي الأمريكية أر كيو 170، ومروحية شوابيز تقليد لبيل الأمريكية، وصاروخ ميثاق ارض-جو نسخة من صاروخ كيو دبليو واحد الصيني، وصاروخ رعد المضاد للدروع تقليد لصاروخ أي في ساغر الروسي، وصاروخ شهاب نسخة من صاروخ سكود السوفيتي، وصاروخ نور وهو نسخة من سي 802 الصيني.
أما منظومة الدفاع الجوي مرصاد فهي نسخة من المنظومة الأمريكية هوك أم أي أم. كما تنتج إيران طائرة النقل إيران 140 هي نسخة من طائرة انتونوف أن 140 الأوكرانية.
مالية الدولة والقوة العسكرية
تؤثر المعطيات المالية تأثيراً فاعلاً ومباشراً على القدرات العسكرية والصناعات العسكرية سواء في السلم أم في الحرب. وتتوقف عمليات شراء واستيراد الأسلحة وكذلك إنتاج مختلف المعدات ومستوى مرتبات العسكريين على حجم الإنفاق.
من هذا الجانب تحتل السعودية المرتبة الخليجية الأولى حيث بلغت نفقاتها العسكرية 71.7 مليار دولار في عام 2024 وهي بذلك تستحوذ على المرتبة العالمية الخامسة (بعد الولايات المتحدة والصين وروسيا والمملكة المتحدة).
أما إيران فيبلغ إنفاقها العسكري 15.4 مليار دولار. ما يجعلها في المرتبة العالمية رقم 25 علماً بأن هذا الإنفاق شهد في الآونة الأخيرة ارتفاعاً كبيراً لسببين: الحرب الإسرائيلية في المنطقة التي شملت إيران بصورة مباشرة وغير مباشرة والسبب الثاني الإدارة الأمريكية الجديدة التي تشكل خطراً على النظام السياسي في إيران وعلى قوتها العسكرية، خاصة برنامجها النووي وإمكاناتها الصاروخية. من المتوقع أن يخصص القسط الأكبر من هذا الارتفاع في تحسين التصنيع الحربي من الناحيتين الكمية والنوعية.
أما العراق فتبلغ مصروفاته العسكرية 7.9 مليار دولار. أي في المرتبة العالمية 37.
رغم ذلك، يصعب إجراء تقدير دقيق للمصروفات العسكرية خاصة الإيرانية والعراقية. وتعود الصعوبة في إيران إلى التنظيم المالي للقوات المسلحة. فعلى خلاف الجيش لا تقتصر الاعتمادات المخصصة للحرس الثوري على الميزانية العامة بل تشمل أيضاً الإيرادات التي يحصل عليها من شركة خاتم الأنبياء العملاقة والتي يسيطر عليها بالكامل.
العراق من هذا الجانب يحذو حذو إيران. إذ لا تعد نفقات الحشد الشعبي مقتصرة على المخصصات المقررة له في الميزانية العامة بل أصبح لديه شركة المهندس القادرة على التعاقد مع الحكومة بمبالغ طائلة. يضاف إلى ذلك أن هنالك أحزابًا عراقية تملك قوات مسلحة لا يجري تمويلها من ميزانية الدولة.
في حين لا يوجد مثل هذا التنظيم في السعودية ودول الخليج الأخرى التي تنحصر نفقات قواتها المسلحة بالمالية العامة.
كما يتأثر القطاع العسكري بالاحتياطي النقدي لدى البنوك المركزية من جهة وبالديون الخارجية من جهة أخرى. كلما ارتفع الاحتياطي النقدي وكلما انخفض الدين الخارجي ازدادت الإمكانات العسكرية للدولة.
للسعودية احتياطي نقدي قدره 457 مليار دولار تليها إيران بمبلغ 120 مليار دولار ثم العراق بمبلغ 112 مليار دولار.
وللسعودية صندوق سيادي عملاق (صندوق الاستثمارات العامة) وصلت أصوله إلى حوالي ترليون دولار، وهو بذلك يحتل المرتبة العالمية رقم 11. في حين لا تملك إيران والعراق مثل هذه المقدرة المالية.
أما الديون الخارجية فتبلغ 4 مليارات دولار في إيران و9 مليارات دولار في العراق و127 مليار دولار في السعودية. أي 1% و4% و12% من الناتج المحلي الإجمالي على التوالي. لكن إيران تعاني من مشاكل اقتصادية أخرى في مقدمتها العجز المالي المزمن واستفحال التضخم وتدهور سعر صرف الريال وتراجع مستوى معيشة المواطنين والفساد المالي المستشري.
في المجمل، تعتمد المنتجات العسكرية لدول الخليج على التكنولوجيا الأجنبية. لذلك، لا يجوز تضخيم قدراتها الصناعية لكن لا يجوز أيضاً تهميشها. إن استنساخ الصناعات ليس بالأمر الهين بل يتطلب جهودا علمية هائلة وقدرات مالية كافية.
التقدم الصناعي في مختلف الميادين المدنية والعسكرية يبدأ دائماً بنقل التكنولوجيا بطريقة أو بأخرى. ثم يتطور ليصل إلى مرحلة توليد التكنولوجيا أي الاعتماد على الذات في مراحل التصنيع. وهو ما نجح فيه الإيرانيون حتى الآن وما يبدو أن السعودية باتت قريبة جدًا منه.