“ما يلزمنا ليس جزيرة عربية موحدة، وإنما جزيرة ضعيفة مشتتة ومقسمة إلى عدد من الإمارات الصغيرة الواقعة تحت سيادتنا والمحرومة من إمكان الاتحاد ضدنا”.
من مذكرات ثيودور هرتزل
بشار اللقيس – كاتب لبناني
لا يمكن قراءة مآلات العلاقة الإسرائيلية الخليجية بعيداً عن ممكنات الواقع وإكراهاته فضلاً عن تصورات الأمن القومي لكلا الطرفين. في العلاقة الخليجية الإسرائيلية خاصية تشبه ما بات معروفاً في الفيزياء الكمومية بـ”قطة شرودنغر”[i]، فهي علاقة حية وميتة في آن. يعتمد تشخيصنا لحالتها على الزاوية التي نطل من خلالها على الموضوع. “المخاوف المشتركة والأهداف المتباينة” هي سمة حكمت سياسات الطرفين منذ ما يقرب القرن. ومع ذلك، يظل تتبع الدوال (the functions) المختلفة لهذه العلاقة أمراً ضرورياً لتحديد مآلاتها الممكنة.
المراجعة التاريخية لحدود الممكن والمُحال بين الطرفين أمر ضروري. والمراجعة البنيوية هي أكثر ما نحتاجه في هذا السياق. ثمة حاجة لقراءة التحولات الثقافية، الاقتصادية، الاجتماعية، كلها باعتبارها بنية تتعاضد عناصرها وتتفاعل في رسم ملامح الفعل السياسي لكلا الطرفين. فالتحولات التي تصيب أي من هذه الجوانب لا شك أنها تترك أثراً على مستقبل العلاقة بينهما. كمثال، اختلاف منظور الصهيونية الأولى والصهيونية الثانية في نظرتهما إلى الخليج دليل على أثر التحول الثقافي في “السياسي” (يمكننا اليوم الحديث عن اختلاف منظور الصهيونية الثالثة للأمر كذلك). تحول النظام الاقتصادي العالمي ما قبل نهاية نظام برايتون وودز وما بعده دليل على دخالة الاقتصاد في وجهة السياسة ومنحاها. تحولات الأمن القومي ما قبل التسعينيات وما بعدها، دليل مضاف على أثر السياسة الدولية واصطفافاتها في وجهة هذه العلاقة. الأمر نفسه بالنسبة لمرحلتي ما بعد “الحرب على الإرهاب” وما بعد الربيع العربي. في كل من هذه المراحل ائتزَرَت الثقافة بالاقتصاد وتآزر الاجتماعي بالاقتصادي بنسب متفاوتة، لتعمل كلها كفواعل منتجة للفعل السياسي بشكله النهائي.[ii]