الملخص التنفيذي
بات الذكاء الاصطناعي حجر زاوية في مسار الإمارات نحو تعزيز مكانتها كقوة إقليمية وعالمية، مستثمرة هذا المجال في بناء نفوذ جديد يتجاوز الطاقة والمال ليصل إلى مجالات الأمن والاقتصاد والدفاع.
وضعت الإمارات هذا التوجه في قلب سياساتها منذ 2017، حين أطلقت استراتيجيتها الوطنية للذكاء الاصطناعي وجعلته محركاً رئيسياً لتسريع تنوع الاقتصاد وتوسيع شبكة تحالفاتها الدولية.
في القطاع الأمني، لعب مشروع “عيون” دوراً محورياً في تحويل المدن إلى منظومات ذكية متصلة، حيث تعمل عشرات آلاف الكاميرات برفقة خوارزميات متطورة لرصد الأنشطة وضمان الاستجابة الفورية للأحداث، ما يجعل من الإمارات مختبراً متقدماً للأمن المدعوم بالذكاء الاصطناعي.
في الاقتصاد، رسّخت الإمارات حضورها عبر شراكات ضخمة بمليارات الدولارات مع كبرى شركات التكنولوجيا العالمية ضمن مشروع “ستار غيت” العالمي. إلى جانب ذلك، عقدت اتفاقات ثنائية استراتيجية مع فرنسا وأمريكا لتعزيز البنى التحتية الرقمية وتوطين تقنيات الذكاء الاصطناعي.
أما في المجال العسكري، وبسرعة لافتة، تحولت الإمارات إلى لاعب رئيسي في سباق التسلح الذكي عبر استثمارات ضخمة في الأنظمة المسيرة، الروبوتات القتالية، وحلول الذكاء الاصطناعي الدفاعية، إضافة إلى شراكات جديدة مثل التعاون مع إسرائيل لتطوير أنظمة بصرية عسكرية. ظهر هذا التقدم بوضوح في معرض “آيدكس 2025” الذي عرضت فيه الدولة قدراتها المحلية في إنتاج الأسلحة الذكية.
لم تعد الإمارات ترى في الذكاء الاصطناعي مجرد وسيلة لتعزيز قدراتها الداخلية، بل أصبح جزءاً محورياً من أدواتها في صياغة نفوذها الجيوسياسي إقليمياً وعالمياً. فمع كل استثمار تقني أو شراكة استراتيجية، تتحرك الإمارات لتأمين موقع متقدم في معادلات النفوذ الجديدة التي يرسمها سباق الذكاء الاصطناعي عالمياً.
نجحت الإمارات في التحول إلى شريك لا غنى عنه في صناعة المستقبل الرقمي. هذه العلاقات لم تقف عند حدود التقنية فحسب، بل امتدت إلى إعادة تموضع الدولة في النظام العالمي، من خلال تأمين الوصول إلى التكنولوجيا المتقدمة والرقائق، والخروج من بعض التحالفات التقليدية مثل الانسحاب من السوق الصينية لإرضاء واشنطن.
في المجال الدفاعي، لم تعد الإمارات مستورداً عادياً للأسلحة بل شريكاً في تطويرها وصناعتها عبر مشاريع مثل التعاون مع إسرائيل وشركات مثل EDGE و G42، عززت أبوظبي من قدرتها على أن تكون لاعباً مهماً في سوق الأسلحة الذكية، مما يمنحها أوراق ضغط وقدرة تفاوضية متزايدة في الساحة الدولية.
إن استثمار الإمارات في الذكاء الاصطناعي يتجاوز الربح المادي إلى بناء قوة ناعمة وصلبة معاً. أدركت الإمارات مبكراً أن من يملك ناصية الذكاء الاصطناعي يملك مفاتيح المستقبل. ولهذا، فإن استراتيجيتها هي مشروع نفوذ طويل الأمد. ومن هذا المنطلق، يمكن قراءة تحركاتها كجزء من تصور شامل يعيد رسم خريطة القوى في القرن الحادي والعشرين، حيث تحل الخوارزميات مكان الجيوش في كثير من مواقع التأثير وصناعة القرار.
اليوم، لا يمكن الحديث عن أي تفوق عسكري استخباراتي دون وضع اليد على برامج ذكاء اصطناعي فائقة الدقة. وهذا منتهى ما يطمح إليه لاعبون رئيسيون في الشرق الأوسط، أكثر المناطق توترًا ومواجهات في العالم.
وعليه، الصورة لا تخلو من تحديات جدية وعوائق قد تظهر في أي لحظة، فصناعة النفوذ الإقليمي والدولي للإمارات محفوفة بالمخاطر الكبيرة والمنافسين الشرسين.