في التاسع من أيلول/سبتمبر 2025 وجّهت إسرائيل ضربة دقيقة داخل العاصمة القطرية الدوحة استهدفت اجتماعًا لقيادات سياسية من حماس كانت تناقش مقترح هدنة برعاية أميركية. أكدت الدوحة مقتل عنصر من القوة الأمنية الداخلية وسقوط قتلى من حماس، بينما أكدت تقديرات عربية وإسرائيلية نجاة القيادات المستهدفة، ومن بينهم خليل الحيّة.
أعلن مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي أنّ العملية إسرائيلية خالصة، وحذّر بنيامين نتنياهو قطر من إبقاء قيادة حماس على أراضيها. في المقابل وصفت الأمم المتحدة ما جرى بأنه انتهاك صارخ لسيادة قطر وسلامة أراضيها، واعتبرت واشنطن أن “القصف الأحادي داخل قطر لا يخدم أهدافها ولا أهداف إسرائيل”، رغم ذلك، شككت عديد من التحليلات بأن واشنطن لم تكن على دراية كاملة بالعملية منذ بدايتها.
عرضت الضربة الإسرائيلية دور الوساطة الذي راكمته قطر خلال عقدين للاهتزاز. الأهم من ذلك، هو أنها أربكت ثقة عواصم دول الخليج العربية في مدى مصداقية الضمانات الأمريكية بالحماية ورفعت احتمالات إعادة التموضع في العلاقة مع إسرائيل ومسارات التطبيع، وهو ما يمكن ملاحظته في تطورات العلاقات الدبلوماسية بين الإمارات وإسرائيل التي لا تبدو في أحسن حالاتها.
المشهد العملياتي يشير إلى تدمير موضعي شديد الدقة داخل مجمّع سكني تشغيلي، بما يتسق مع استخدام ذخائر/ صواريخ بعيدة المدى أطلقت من خارج المجال الجوي القطري. تحليلات أخرى ذهبت إلى أن دقة الضربة الجوية تقتضي أن الطائرات الإسرائيلية كانت قريبة بما فيه الكفاية من الحدود القطرية.
تمثل الضربة استخدامًا للقوة على دولة ذات سيادة ما يصطدم بميثاق الأمم المتحدة. تسوّغ إسرائيل فعلها باعتباره ملاحقة لقادة تنظيم مسلح يشن هجمات، وهو تأويل واسع لا يخلو من التطرف لمفهوم الدفاع عبر الحدود ويواجه اعتراضًا سياسيًا ودبلوماسيًا واسعًا.
على مستوى المنظومة الأمنية الخليجية والعلاقات الاستراتيجية مع واشنطن، تكشف الضربة عن فجوة إرادة في لجم تمدد إسرائيل بعملياتها العسكرية في المنطقة أكثر مما تكشف عن قصور في القدرات الأمريكية على صد الصواريخ. عملياتيًا، تعمل منظومات الدفاع والإنذار المبكر كما يجب، غير أن قرار توظيفها لردع الهجمة الإسرائيلية التي أصابت حليفًا مضيفًا لم يُتخذ. بالنتيجة، تبدو الثقة بالحليف الأمريكي محل تشكيك رغم تأكيد الدوحة في معرض ردها على ادعاءات صحافية بأن الدوحة ستسعى لدراسة تحالفاتها العسكرية وتوسيعها، بأن التحالف مع الولايات المتحدة هو اليوم أفضل من أي وقت مضى.
ما أرادت تل أبيب تأكيده هو أن ذراعها طويلة وأن لا وجود لأرض محمية دبلوماسيًا في سبيل تحقيق أهدافها. الهدف الثاني كان رفع الكلفة التفاوضية على حركة حماس. يضاف لذلك تحقيق إسرائيل ضربة انتقامية مباشرة لدولة تصنف تل أبيب ذراعها الإعلامية “قناة الجزيرة” بأنها واحدة من أهم الأذرع الإعلامية الداعمة لحماس، يضاف لذلك هدف داخلي مستمر يتعلق بتقوية “التحالف الحاكم” في إسرائيل وصد الانتقادات الداخلية لإدارة الحرب. غير أن لهذه الرسائل والأهداف الإسرائيلية كلفًا عكسية، تتقاطع الإدانات العربية والغربية وهو ما يحدّ من الغطاء السياسي المتاح لإسرائيل، وبالنتيجة، هو ما يزيد من صعوبة تكرار مثل هذه العملية في الخليج. كذلك يجدر الانتباه إلى أن نجاة الأهداف العليا من الغارة الإسرائيلية وتعثر ملف إطلاق الرهائن، يجعلان العائد العملياتي لتل أبيب محدودًا أمام ثمن سياسي يبدو باهضًا.
الدبلوماسية القطرية عملت بكامل جهدها – بدعم سعودي وأوروبي – لحشد إدانة دولية حاسمة وفاعلة، يأتي ذلك بالتوازي مع انقسام يمكن ملاحظته في دوائر صنع القرار في واشنطن. صحيح أن القمة العربية والإسلامية الطارئة في الدوحة لم تخرج بأكثر مما هو متوقع لها إلا أنها في أقل تقدير جزء من الجهد الدبلوماسي القطري للرد على الهجوم الإسرائيلي وتحويله لملف دولي رئيسي لا مجرد ضربة عسكرية عابرة يجدر تجاوزها ونسيانها بدعوى تعهد الرئيس ترامب بأنها “لن تتكرر”.
المتوقع هو أن غلبة سيناريو الاحتواء مع تدويل قانوني نشط وإجراءات خليجية جماعية تضبط الإيقاع وتضغط على واشنطن لمنع تكرار الحادثة. بالتوازي، بات الوجود الإسرائيلي في الخليج عبر بوابتي أبوظبي والمنامة مصدر قلق أكثر من أي وقت مضى، لا بالنسبة لقطر وحدها بل وبما يشمل دولاً أخرى، في مقدمتها السعودية.
ما تحتاجه قطر ودول مجلس التعاون الخليجي هو تحويل الصدمة إلى مكسب سياسي ومؤسسي وأداة ضبط وضغط وازنة لمراجعة وتحديد طبيعة التحالفات الأمنية والعسكرية مع واشنطن لتكون أكثر جدية والتزامًا بأمن دول الخليج، مع التأكيد على أن إسرائيل ليست استثناءً. كذلك ضرورة مراجعة دول الخليج لمنظومات الدفاع الجوي والإنذار المبكر الذاتية وسد الفجوة التي دخلت من خلالها الصواريخ الإسرائيلية إلى الأجواء القطرية، كذلك تحديث ومراجعة بروتوكولات حماية الشخصيات والوفود ومناطق السكن الحساسة.
يمكن اعتبار الضربة الإسرائيلية منعطفًا بالغ الأهمية في أمن الخليج ومعادلات الردع والتوازنات الإقليمية.
الكرة إلى ملعب واشنطن مجددًا لتثبيت الخطوط الحمراء التي تمنع على إسرائيل القيام بأي عمليات عدائية تجاه منظومة دول تعتبرها واشنطن دولاً حليفة وموثوقة، وأن لا تكون تل أبيب مصدر تهديد لاستقرار هؤلاء الشركاء وأن تعيد بناء الثقة بها وبمظلة المنظومات الدفاعية المنتشرة على أراضيها.
لا تزال دول الخليج عاجزة عن التوافق في سياساتها الخارجية أو الوصول إلى هندسة أمنية صلبة ومتوافق عليها، بالتوازي لا تزال دول مثل قطر والسعودية وسلطنة عمان تبحث عن ضمانات تؤكد أن الانفتاح السياسي من جانب الإمارات والبحرين مع إسرائيل لن يسبب لدول الخليج المزيد من التهديدات والمخاطر والانكشاف الاستخباراتي. من دون ذلك، يبقى ميزان المخاطر أعلى من العوائد وستبقى المنطقة عرضة لاختبارات مفاجئة تعيد ترسيم الخطوط الحمراء تنازليًا في كل مرة.