رغم سجله الانتخابي المتواضع، يبرز اسم السياسي الإيراني سعيد جليلي كواحد من أكثر الشخصيات تأثيرًا في مراكز صنع القرار. يُمكن اعتبار هذا القيادي في جبهة الصمود (بايداري) ضابط إيقاع الدولة العميقة في إيران والواجهة الأمامية لإحدى أهم الخلايا النافذة داخل جميع أجهزة الدولة، من الحكومة والجيش إلى الحرس الثوري ومجلس صيانة الدستور ومجلس تشخيص مصلحة النظام ومجلس الشورى، بل وحتى الحوزة العلمية.
وبينما تكشف صناديق الاقتراع عن القبول الشعبي المتواضع لسعيد جليلي، فإن قناعاته وانحيازاته السياسية تلعب دورًا لا يُستهان به في مجمل الحياة السياسية في الجمهورية.
ينحدر جليلي من مدينة مشهد وحصل على درجة الدكتوراه في العلوم السياسية من جامعة الإمام الصادق، التي تُعد مركزًا لصناعة النخب الأصولية في السياسة وغيرها. بدأ مسيرته في الحرس الثوري الإيراني وشارك في الحرب العراقية الإيرانية قبل أن يلتحق بوزارة الخارجية، حيث صعد نجمه بسرعة ليتولى مناصب حكومية حساسة.
شغل جليلي منصب أمين عام المجلس الأعلى للأمن القومي (2007 – 2013)، وهي الفترة التي شهدت تصعيدًا في ملف البرنامج النووي الإيراني حين كان كبير المفاوضين. كما نال ثقة مرشد الثورة ليكون أحد المعنيين برسم السياسات الأمنية والدفاعية لإيران، وهو الآن عضو في مجلس تشخيص مصلحة النظام.
ورغم نجاحات جليلي وصعوده السريع، فضلًا عن شبكته المعقدة من الحلفاء داخل الحرس الثوري ومجلس صيانة الدستور ومجلس الشورى ومؤسسات الدولة الحساسة، فإن سجله الانتخابي متخمٌ بالخسائر. خسر الانتخابات الرئاسية مرتين، وانسحب مرة، كما فشل في الوصول إلى مجلس الشورى مرتين.
جبهة بايداري: اليد الضاربة
تأسست جبهة الصمود (بايداري) عام 2011 على يد شخصيات دينية وسياسية متشددة، وهي تيار سياسي يُعرف بمواقفه الرافضة للانفتاح على الغرب والإصلاحات الداخلية. تتمتع الجبهة بنفوذ واسع في السياسة الإيرانية، خاصة بين المحافظين المتشددين. ورغم فشل جليلي نفسه في الوصول إلى البرلمان، فإن مرشحي الجبهة عادةً ما ينجحون في الفوز بمقاعد نيابية.
يُعتبر آية الله الشيخ محمد تقي مصباح اليزدي (توفي عام 2021) الأب الروحي للجبهة. أما اليوم، فيلعب كل من سعيد جليلي، ورجل الدين المحافظ مرتضى آقا طهراني، والسياسي حميد رسايي (المتحدث باسم الجبهة ووجهها الإعلامي)، الدور الأبرز في تعزيز نفوذ الجبهة في مجلس الشورى والحرس الثوري وبقية الهيئات والمجالس الدستورية.
تتمتع الجبهة بدعم قوي من قائمة واسعة من رجال الأعمال والاقتصاديين الإيرانيين المستفيدين من العقوبات الغربية والاقتصاد المغلق. يُعرف هؤلاء في إيران بـ “تجار العقوبات”، ويُتهم جليلي ورفاقه باستثمار أموال هؤلاء التجار في الانتخابات.
على مستوى الحكومة، ورغم أن الجبهة لم تصل بأي من مرشحيها الرسميين إلى رئاسة الجمهورية، فإنها تتبع نهجًا مزدوجًا؛ فهي داعم قوي لحكومات المحافظين ومعطل عنيد لحكومات الإصلاحيين. كانت الجبهة حليفًا مقربًا لحكومتي أحمدي نجاد وإبراهيم رئيسي، كما كانت أداة للتعطيل والتشكيك في حكومتي روحاني وبزشكيان. آخر شواهد هذا التعطيل هو عزل وزير الاقتصاد عبد الناصر همتي بعد ستة أشهر فقط من توليه المنصب، إثر ضغوط من الجبهة في البرلمان.