تتباين مقاربات دول الخليج تجاه تونس بناءً على مصالحها ومجموعة متغيرة من الحسابات والأولويات والتطورات الجيوسياسية. إن استمرار وطبيعة الصراع الإقليمي بين محور السعودية – الإمارات الداعم لتحجيم قوى الإسلام السياسي قبالة محور قطر – تركيا الداعم لهذه القوى الإسلامية، هو محدد رئيسي لاستشراف طبيعة التدخلات ومحاولات التأثير في تونس.
لعبت قطر دورًا بارزًا في الفترة التي تلت سقوط نظام الرئيس التونسي الأسبق زين العابدين بن علي. وخلال الفترة 2011- 2013 أشرفت قطر على هندسة وصناعة التفاهمات والتحالفات السياسية، إضافة لذلك، ساهمت في دعم الحكومات المتتالية؛ سياسيًا واقتصاديًا.
بدءً من عام 2013، لعب محور الإمارات – السعودية دورًا مؤثرًا لمعادلة التأثير والنفوذ القطريين ومواجهة حزب حركة النهضة وحلفائه. حقق التحالف السعودي الإماراتي اختراقات لكنه لم يستطع استنساخ ما حققهُ في مصر.
تسبب تدخل دول الخليج عبر دعم أطراف سياسية محددة وتغليبها للاستحواذ على السلطة في تعميق الانقسامات المجتمعية والسياسية وفي ازدياد حدة التوتر بين مختلف المكونات والأحزاب والقوى السياسية في تونس. وبالنتيجة؛ لم يكن في مقدور الحكومات المتعاقبة الوفاء بانتظارات وتطلعات المجتمع التونسي من التجربة الديمقراطية الوليدة.
اليوم، هناك قناعة تامة لدى معظم دول مجلس التعاون الخليجي بأن الانقسامات السياسية والمجتمعية الحادة في تونس تجعل من محاولات التأثير والاستثمار السياسي فيها عاجزة عن الوصول إلى سيطرة حقيقية لأي طرف. يضاف لذلك، إحجام مؤسسة الجيش عن لعب أي دور سياسي مباشر، كذلك قابلية القوى الإسلامية، وفي مقدمتها الإخوان المسلمين، على التعامل الحذر مع المستجدات وتجنب المواجهات المفتوحة.
وتشير ردود فعل دول الخليج حول ما شهدته تونس منذ 25 يوليو/حزيران 2021 إلى أنها باتت مقتنعة، أكثر من أي وقت مضى، بصعوبة الرهان على تونس أو استثمارها في الاستقطابات الإقليمية الراهنة، وأن كلفة معالجة الانقسام المجتمعي في تونس، والسياسي بالنتيجة، هي كلفة باهظة الثمن متواضعة المردود والنتائج.
لا يمكن الجزم بأن الإجراءات الدستورية التي قام بها الرئيس التونسي قيس سعيد قد ساهمت في تعزيز هيمنة ونفوذ السعودية والإمارات في البلاد، يمكن النظر إلى مواقف الرئيس سعيد المتشددة على صعيد السياسة الخارجية للدولة، وخاصة في ملف تطبيع العلاقات مع إسرائيل باعتبارها مواقف مضادة لسياسات أبوظبي والرياض. يُضاف لذلك، تواضع الاستثمارات والمساعدات الاقتصادية من جانب السعودية والإمارات حيث لم يتخذ البلدان أي إجراءات استثنائية لدعم حكومة الرئيس قيس بن سعيد.