في أعقاب احتجاجات الربيع العربي، شهدت المُعارضات الخليجية في الخارج صعودًا في لحظة فارقة، مستفيدة من الفضاءات الرقمية والتحولات الإقليمية، لتصبح في قلب صراعات النفوذ بين عواصم دول الخليج. هذا الحضور سرعان ما تراجع كاشفًا عن هشاشة البنية الذاتية لهذه المعارضات وافتقارها للحواضن الشعبية.
رغم ذلك، حافظت بعض التيارات، لا سيما الشيعية المدعومة من إيران، على حضور نسبي بفعل ارتباطها باستراتيجيات إقليمية أوسع، إلا أن هذا الحضور مهدد اليوم بالتآكل نتيجة الضغوط الجيوسياسية المتصاعدة بعد عملية “طوفان الأقصى”.
تحاول هذه المقالة تقديم قراءة معمّقة في البنية الفكرية والتنظيمية لهذه المعارضات، كاشفة عن تصدّع داخلي تعكسه الانقسامات الأيديولوجية وغياب المشروع الوطني الجامع. كما ترصد التحوّل اللافت في استراتيجيات الأنظمة الخليجية التي باتت تتعامل مع هذه المعارضات بآلية “القوة الصامتة”.
إن فهم هذه المعارضات لا ينفصل عن فهم الخارطة الأيديولوجية للنخب في الخليج، ما بين إسلامويين حركيين وليبراليين اجتماعيين ونخب علمانية معارضة لكنها غير مقبولة شعبيًا.
ورغم أن الحالة البحرينية تُمثل استثناءً بحكم تجذر المعارضة وعمق الاستقطاب الطائفي إلا أن المعارضات الخليجية تتشابه في معضلة أساسية وهي ضعف التمثيل الشعبي، كذلك التناقض في خطاباتها بين الشعارات الإصلاحية والممارسات التصعيدية، إلى جانب ارتباط بعض المعارضات بولاءات أيديولوجية خارجية كولاية الفقيه وجماعة الإخوان المسلمين ما يثير الشكوك حول استقلاليتها.
لا يكتفي هذا التقرير برصد المسارات، بل يطرح سؤالًا مصيريًا: هل تتحول المعارضة الخليجية في الخارج إلى قوة تغيير حقيقية تتجاوز الهشاشة والتبعية، أم تظل عالقة في هامش رمزي تلتهمه التوازنات الكبرى؟ وبينما تتهيأ المنطقة لتحولات كبرى، قد تكون لحظة الحقيقة أقرب مما نظن.