تشهد الكويت منذ عام 2024 حملة واسعة النطاق لإسقاط جنسية آلاف المواطنين، حيث جُرِّد ما يزيد عن 42 ألف كويتي من جنسياتهم دون احتساب من جردت منهم الجنسية بالتبعية، وهو تحول جذري في نهج الدولة التي كانت حالات سحب الجنسية فيها نادرة وتقتصر على أفراد محدودين وبقرارات قضائية. هذه الحملة قُدِّمت رسميًا كمبادرة لتصحيح أوضاع جنسيات مُكتسبة بطرق غير مشروعة وحماية الأمن الوطني لكنها أثارت قراءات سياسية أعمق باعتبارها أداة لإعادة تشكيل مجمل الحياة السياسية في البلاد.
تأتي هذه التطورات في ظل خطوات استثنائية اتخذها أمير الكويت، الشيخ مشعل الأحمد الصباح، الذي حلّ مجلس الأمة وعلّق بعض مواد الدستور لمدة تصل إلى أربع سنوات. برر الأمير هذه الخطوات بحاجة البلاد إلى “مراجعة شاملة للمسار الديموقراطي ووضع حد لحالة الجمود السياسي التي أعاقت التنمية”.
تكشف هذه الورقة المُعمقة عن تداخل الدوافع القانونية المعلنة – كتطبيق القانون على من حصلوا على الجنسية بالتزوير أو ازدواجية الجنسية أو لاعتبارات أمنية – مع دوافع سياسية وأمنية غير معلنة. فمن جهة، استهدفت الحملة فئات مثل زوجات الكويتيين المجنّسات وأبناء بعض القبائل ممن تعتبرهم السلطة مكتسبين للجنسية بطرق ملتوية وذلك وسط خطاب رسمي عن مكافحة الفساد وتقليص الأعباء عن كاهل الدولة. ومن جهة أخرى، يرى مراقبون أن توقيت ونطاق هذه الإجراءات يشيران إلى مسعى لتحجيم قوى المعارضة البرلمانية وإعادة ضبط تركيبة الناخبين بما يخدم توازنات جديدة في مراكز النفوذ.
تلعب الأسرة الحاكمة دورًا مركزيًا في هذه التطورات، إذ تُستغل الجنسية كأداة ضمن صراع النفوذ الداخلي بين أجنحة الأسرة. ولطالما استُخدم منح الجنسية لتوسيع قواعد الولاء – ما يُعرف بالتجنيس السياسي – بهدف تعزيز موقع السلطة فترة الستينات والتسعينات تجاه المعارضة داخل السور ولاحقًا خلال السنوات الأخيرة لتعزيز نفوذ بعض أفراد الأسرة الطامحين إلى كرسي الإمارة. اليوم، يُوظَّف نزع الجنسية في إطار عكسي واستدراكي هذه العملية.
يظهر أمير البلاد الشيخ مشعل الأحمد الصباح كلاعبٍ حاسمٍ في هذه المرحلة حيث تبنّى نهجًا صارمًا لإعادة النظام السياسي إلى “المسار الصحيح” من وجهة نظره. يمكن فهم قراراته الجريئة – من حل المجلس وتعليق أجزاء من الدستور وصولاً إلى حملة إسقاط الجنسيات – ضمن مسعاه لتقوية قبضة الحكم وإعادة ترتيب البيت الداخلي (سواء داخل الأسرة أو بين السلطات). بيد أن هذه المعالجة تظل محدودة الأثر إن لم تُستكمل بإصلاحات دستورية أعمق تعالج جذور الخلل في آليات الحكم وإعادة هيكلة العلاقة بين السلطة التنفيذية والتشريعية وتحديد آليات شفافة لتداول السلطة بين أفراد الأسرة، وهي أمور باتت ضرورية لضمان استقرار طويل الأمد يتجاوز الحلول المؤقتة.
تقدم هذه الورقة المُعمقة قراءة موسعة ومعمقة لإعادة تشكيل الحياة السياسية في الكويت بالاعتماد على معلومات وتحليلات من مجموعة مختارة من الباحثين المتخصصين.