انطلاقًا من أفغانستان في نهاية الثمانينيات، انطلقت أفرع تنظيم القاعدة وتوسعت في عدة دول، ومنها السعودية التي كانت مسرحًا لهجمات عنيفة ودامية. تميز نشاط تنظيم القاعدة في السعودية بتحولات مفصلية منذ منتصف التسعينيات مع تصاعد المواجهات مع السلطات الأمنية، ومع مطلع الألفية الجديدة، بدء التنظيم سلسلة من العمليات المسلحة التي استهدفت منشآت أمنية ومدنية بلا هوادة.
ورغم الانهيار التدريجي للتنظيم داخل المملكة بعد جهود أمنية مكثفة، إلا أن دراسة هذا الملف تكشف أبعادًا مهمة حول نشأته، هيكله التنظيمي، أبرز قادته، وأحداث العنف التي تركت أثرًا عميقًا على المشهد الأمني في السعودية. أكثر من ذلك، هي فرصة للتساؤل عما إذا كانت قصة هذا التنظيم قد انتهت بالفعل.
ولئن كانت عودة التنظيم وخلاياه النائمة وقائمة المتعاطفين والمؤيدين للنشاط من جديد تبدو مستبعدة لدى كثير من المراقبين والمحللين إلا أنها وفي ظروف معينة، ووفق لعبة الأمم المعقدة والمتشابكة، تبدو مُمكِنة للغاية.
لتنظيم القاعدة في السعودية ما يميزه مقارنة بأفرع التنظيم الأخرى. نشاطه في بلد يضم أغلب المقدسات الإسلامية ويعتبر البلد الحاضن للعالم الإسلامي أولاً، وكون التنظيم في السعودية لم ينشأ فقط من متأثرين بالفكر الجهادي العالمي كما حدث في الكثير من البلدان، بل اعتمد في بُنيته على عائدين من معسكرات القتال في أفغانستان والشيشان، إضافة إلى شباب تم تجنيدهم داخليًا من المتعاطفين مع الفكر المتطرف ثانيًا. بالنتيجة؛ كانت مواجهة هؤلاء المقاتلين، بما يملكون من خبرات قتالية وتجارب عابرة للحدود، عملية صعبة ومعقدة، وهو اختبار صعب نجحت فيه الأجهزة الأمنية السعودية التي استفادت مع هذا الاشتباك الصعب – فهمًا لهذه التنظيمات ومعرفة بآليات التنظيم والعمل – بقدر ما خسرت فيه.
يتناول هذا التقرير تاريخ تنظيم القاعدة في السعودية، بدءًا من نشأته وأبرز العمليات التي قام بها، وصولًا إلى تراجعه التدريجي والاندماج مع فرع التنظيم في اليمن تحت مسمى “تنظيم القاعدة في جزيرة العرب”.
توطئة
تنظيم القاعدة هو تنظيم إسلامي جهادي مُسلح يُصنف إرهابيًا في العديد من الدول. يتبنى التنظيم هدفًا رئيسيًا وهو “الجهاد في سبيل الله” بهدف “القضاء على النفوذ الأجنبي في البلدان العربية والإسلامية وإعادة دولة الخلافة وتطبيق الشريعة الإسلامية”.
ويعد تنظيم القاعدة أحد أبرز التنظيمات الجهادية المسلحة التي أثرت في مسار الحركات المتطرفة على مستوى العالمين العربي والإسلامي. يمكن القول إن كثيرًا من التنظيمات الجهادية التي نشأت منذ تسعينات القرن الماضي، ومنها تنظيم داعش، الذي يمثل النسخة الأكثر توحشًا ودموية بين هذه التنظيمات، هي في المحصلة، نتاج وامتداد لتنظيم القاعدة، تفسيراته للنصوص الجهادية في الشريعة الإسلامية وأديباته العابرة للحدود.
يعود تأسيس التنظيم لفترة مضطربة ما بين العامين 1988 و1990 بالتزامن مع نهاية حرب تحرير أفغانستان من الاحتلال السوفييتي، وينقسم التنظيم إلى أفرع وتنظيمات متعددة في العديد من المناطق والأقطار العربية والإسلامية.
قدمت حكومات عربية وغربية الدعم إلى الأفغان العرب – الذين أسسوا لاحقًا تنظيم القاعدة – ما يشمل التمويل والتسليح في مواجهة قوات الإتحاد السوفييتي في الفترة ما بين 1979 و1989، كما موّلت الولايات المتحدة عن طريق المخابرات الباكستانية المجاهدين الأفغان والعرب في برنامج لوكالة المخابرات المركزية أطلق عليه مسمى “عملية الإعصار”. ولعب “مكتب خدمات المجاهدين العرب” دورًا مركزيًا في استقطاب وتدريب المقاتلين العرب، كذلك تنظيم الإخوان المسلمين في مصر ودول المغرب العربي والأردن، كما كان لدعاة السلفية الجهادية في السعودية ودول الخليج دور بارز في إرسال آلاف المقاتلين من دول الخليج.
ورغم المكانة التي كان زعيم التنظيم أسامة بن لادن يتمتع بها بين أوساط المجاهدين العرب من السعوديين والخليجيين، إلا أن رجل الدين الفلسطيني الأصل عبدالله عزام كان الشخصية الأكثر حضورًا وتأثيرًا في اقناع الجيل الأول من العرب، ومنهم السعوديون، بمشروع الهجرة والجهاد إلى أفغانستان والدخول في معسكرات القاعدة (توماهس هيغهامر/ الجهاد في السعودية/ قصة تنظيم القاعدة في جزيرة العرب/ ص 18).
تمثل أفغانستان البلد الأم للتنظيم وتتنوع جنسيات المقاتلين المُنخرطين والناشطين بين دول عربية وإسلامية عدة، يضاف لهم آلاف المقاتلين من المسلمين المتجنسين بجنسيات غربية. يعتمد التنظيم استراتيجية “مركزية القرار، لا مركزية التنفيذ”، وهو ما يتيح لأفرع التنظيم وخلاياه إدارة نفسها بنفسها مع ضرورة الالتزام بالإرشادات والتوجيهات العامة من قبل قيادة التنظيم.
يُصنف تنظيم القاعدة منظمة إرهابية من جانب مجلس الأمن وحلف شمال الأطلسي “الناتو” والمفوضية الأوروبية للاتحاد الأوروبي ووزارة الخارجية الأمريكية والمملكة المتحدة وفرنسا وغالبية الدول العربية والإسلامية.
في عام 1996، أعلن تنظيم القاعدة الحرب على الولايات المتحدة. ونفذ تنظيم القاعدة نحو 17 هجومًا وتفجيرًا ضد القوات الأمريكية، من ضمنها، ثلاث عمليات في مدينة عدن جنوب اليمن عام 1992، إسقاط مروحيات أمريكية وقتل جنود أمريكيين في الصومال عام 1993. في عام 1993 أيضًا، استهدفت شاحنة مفخخة مركز التجارة العالمي في نيويورك. في أغسطس 1998، استهدف التنظيم سفارتي واشنطن في كل من نيروبي ودار السلام بتفجيرين أديا إلى مقتل 224 وإصابة أكثر من 5,000 آخرين.
في أكتوبر 2000، نفذ التنظيم هجومًا ضد المدمرة الأمريكية يو إس إس كول على ميناء عدن باستخدام قارب ما تسبب في مقتل 17 جنديا وأكثر من 30 جريحا. وفي 11 سبتمبر 2001، قام أعضاء تنظيم القاعدة باختطاف أربع طائرات ركاب أمريكية والاصطدام بها بمركز التجارة العالمي ومبنى البنتاجون وسقطت الأخيرة في حقل بولاية بنسلفانيا، أدت الهجمات الدامية إلى مقتل نحو 3 آلاف شخص.
في 2 مايو 2011، نجحت الولايات المتحدة في اغتيال زعيم تنظيم القاعدة، أسامة بن لادن، في مدينة أبوت آباد (120 كم عن إسلام أباد) في عملية اقتحام أشرفت عليها وكالة الاستخبارات الأمريكية ونفذها الجيش الأمريكي واستغرقت 40 دقيقة. وتولى قيادة تنظيم القاعدة بعد مقتل بن لادن أيمن الظواهري الرجل الثاني في التنظيم.
في 1 أغسطس 2022، أعلن مسؤولون أمريكيون مقتل أيمن الظواهري زعيم تنظيم القاعدة في غارة جوية أمريكية لطائرة بدون طيار في أفغانستان.
يترأس تنظيم القاعدة حاليًا المصري سيف العدل (محمد صلاح الدين زيدان).
تنظيم القاعدة في السعودية
من شرق الرياض إلى المحيا
في 12 مايو 2003، نفذ تنظيم القاعدة في السعودية واحدة من أعنف عملياته حين هاجم 14 مسلح وانتحاري، بأربع سيارات مفخخة، ثلاث مجمعات سكنية (شرق الرياض) في وقت متزامن تحت اشراف القائد الميداني تركي الدندني.
أودى الهجوم الدامي إلى مقتل نحو 35 شخصًا من جنسيات مختلفة وإصابة أكثر من 160 جريحًا. بالنتيجة، بدأت الشلطات السعودية حملة أمنية هي الأكبر على تنظيم القاعدة في السعودية، عمدت السلطات في 28 مايو 2003 إلى اعتقال رجال دين متطرفين، تبع ذلك بثلاثة أيام تصفية يوسف العييري قائد التنظيم في محافظة حائل، وذلك بعد صراع مسلح أودى بحياة شرطيين إثنين.
في 3 يوليو 2023، استطاعت القوى الأمنية في السعودية قتل قائد عملية شرق الرياض تركي الدندني وإثنين من مرافقيه في منطقة الجوف، تبعه في 28 يوليو تصفية أحمد الدخيل أحد أهم القادة الشرعيين والمنظرين للتنظيم.
بعد مقتل العييري، تولى قيادة التنظيم خالد الحاج، وعاد التنظيم ليضرب بقوة من جديد عبر تفجير المحيا في 8 نوفمبر 2003 وهو التفجير الذي أودى بحياة 17 شخصًا واصابة نحو 120 آخرين. تسببت هذه العملية التي نجحت على مستوى قوة التدمير في دعاية سلبية لتنظيم القاعدة في السعودية، ذلك أن غالبية ضحايا التفجير كانوا من العرب والمسلمين في شهر رمضان.
بدأ مرحلة الانهيار
في ديسمبر 2003، حاول تنظيم القادة في السعودية اغتيال الفريق عبدالعزيز الهويريني، مدير جهاز المباحث العامة في الرياض واستهدف مبنى المباحث العامة السعودي، كما قام بتفجير سيارة ضابط برتبة رائد في الباحث العامة (إبراهيم الدالي). رغم ذلك، كانت جهود الحكومة السعودية عبر أجهزتها الأمنية في تطويق التنظيم وملاحقة قياداته ومقاتليه فاعلة وناجعة.
حاولت القيادة الجديدة للتنظيم بزعامة عبدالعزيز المقرن – بعد مقتل خالد الحاج – البقاء في الصورة، وهو ما تم عبر سلسلة من العمليات الانتحارية وتفخيخ المركبات خلال العام 2004، ورغم مقتل بعض أفراد الشرطة إلا أن غالبية المُهاجمين من التنظيم قد قتلوا أيضًا. يمكن اعتبار عملية تفجير شرطة الوشم وسط الرياض التي راح ضحيتها 6 أشخاص وأصيب 150 آخرين العملية الأبرز للتنظيم تحت قيادة المقرن.
في 12 يونيو 2004، قام التنظيم بقيادة المقرن باختطاف المواطن الأمريكي بول جونسون ونشر تسجيلات فيديو له، تبع ذلك بستة أيام قام الخاطفون بضرب عنقه وبث الفيديو. تمكنت السلطات السعودية من تصفية المقرن ومقربين له في 18 يونيو 2004 في عملية نوعية، تبع ذلك بيومين السيطرة على مقر التنظيم الرئيسي في الرياض، وهو الأمر الذي أتاح للسلطات السعودية الحصول على معلومات وافية عن أغلب شبكات وخلايا التنظيم وأماكن تواجد المنتمين له.
خلف المقرن في زعامة التنظيم سعود العتيبي الذي قتل في 5 أبريل 2005 بعد صراع مسلح استمر لثلاثة أيام في حادثة الرس. ورغم تسمية صالح العوفي قائدًا جديدًا للتنظيم إلا أنه قتل بعد فترة وجيزة (4 أشهر). تبعه فهد الجوير الذي قتل أيضًا في فبراير 2006.
مع بداية العام 2006، تراجعت حدة عمليات التنظيم جراء نجاح وزارة الداخلية السعودية في حملتها الأمنية بالتوازي مع فقدان التنظيم للتعاطف الداخلي بين السعوديين.
توقف نشاط التنظيم في عام 2009 بعد اندماج الفرع السعودي مع الفرع اليمني في تنظيم وموحد أطلق عليه مسمى “تنظيم القاعدة في جزيرة العرب”، وهو ما اعتبر، وقتئذ، إعلانًا رسميًَا بفشل التنظيم في السعودية.
رغم ذلك، وفي 27 أغسطس 2009، نفذ التنظيم محاولة لاغتيال مساعد وزير الداخلية للشؤون الأمنية آنذاك، الأمير محمد بن نايف، حيث أصيب الأمير بجروح طفيفة.
في 25 ديسمبر 2009م، تبنى التنظيم في نسخته الجديدة محاولة تفجير طائرة أميركية كانت تقوم برحلة من أمستردام إلى ديترويت، كما وعثرت سلطات مطار دبي في الإمارات المتحدة (أكتوبر 2010) على طرود ملغمة في طائرة شحن متوجهة إلى الولايات المتحدة، واتهمت واشنطن التنظيم بالمسؤولية.
في 6 أغسطس 2011، نفذ التنظيم محاولة جديدة استهدف فيها اغتيال وزير الداخلية السعودية آنذاك، الأمير نايف بن عبدالعزيز آل سعود، لكن المحاولة فشلت أيضًا.
أبرز عمليات التنظيم
نفذ تنظيم القاعدة العديد من العمليات الإرهابية في السعودية، خاصة بين عامي 2003 و2006، مستهدفًا منشآت حكومية، دبلوماسية، اقتصادية، وأمنية. وفيما يلي أبرز 6 عمليات للتنظيم:
- تفجيرات مجمع الحمراء بالرياض (12 مايو 2003)
التفاصيل: ثلاث سيارات مفخخة استهدفت مجمعات سكنية يسكنها أجانب، منها مجمع الحمراء، أشبيليا، وفينيل.
النتائج: مقتل 39 شخصًا (منهم أمريكيون، لبنانيون، وسعوديون)، وإصابة أكثر من 160 شخصًا.
المخطط: تفجير 4 سيارات مفخخة بشكل متزامن لضمان إحداث أكبر قدر من الضرر.
الرد الأمني: شنت السلطات السعودية حملة أمنية واسعة واعتقلت عددًا من المشتبه بهم وقامت بتصفية أمير التنظيم وقائد العملية.
- تفجيرات مجمع المحيا السكني (8 نوفمبر 2003)
التفاصيل: سيارة مفخخة استهدفت المجمع السكني الذي يسكنه عرب ومسلمون في حي المحيا بالرياض.
النتائج: مقتل 17 شخصًا، معظمهم من العائلات العربية، وإصابة 122 آخرين.
المخطط: استخدم التنظيم مركبة مفخخة يقودها انتحاري ونجح في اختراق بوابة المجمع.
الرد الأمني: تعزيز الأمن حول المجمعات السكنية وتطوير آليات الحماية.
- هجوم مقر وزارة الداخلية ومبنى قوات الطوارئ (29 ديسمبر 2004)
التفاصيل: محاولة هجوم مزدوج استهدف مقر وزارة الداخلية في الرياض ومبنى قوات الطوارئ الخاصة بسيارتين مفخختين.
النتائج: فشل الهجوم بعد تدخل قوات الأمن، لكن أصيب عدد من رجال الأمن.
المخطط: تم تنسيق الهجوم لكن تصدت قوات الأمن قبل وصول السيارتين إلى الهدف.
الرد الأمني: تعزيز المراقبة الأمنية على المؤسسات الحكومية.
- محاولة استهداف مصفاة بقيق (24 فبراير 2006)
التفاصيل: حاولت سيارتان مفخختان اقتحام بوابة أكبر مصفاة نفط في العالم في مدينة بقيق.
النتائج: فشل الهجوم بعد اشتباك قوات الأمن مع المهاجمين وتفجير السيارتين قبل وصولهما للمصفاة.
المخطط: إيصال السيارتين إلى مقر المصفاة الداخلي وتفجيرهما وإحداث خلل في إمدادات النفط العالمية.
الرد الأمني: تعزيز حماية المنشآت النفطية ورفع حالة التأهب الأمني.
- هجوم مجمع ينبع الصناعي (1 مايو 2004)
التفاصيل: مسلحون اقتحموا مقر شركة “ABB Lummus” في ينبع، وقتلوا خمسة مهندسين غربيين ورجل أمن سعودي.
النتائج: هجوم استمر ساعات، وأسفر عن مقتل المهاجمين بعد مواجهة مع قوات الأمن.
المخطط: تنكر المهاجمون في زي موظفين، ما سمح لهم بالدخول إلى الشركة.
الرد الأمني: تكثيف الأمن في المنطقة الصناعية وتشديد إجراءات الدخول.
- هجوم القنصلية الأمريكية في جدة (6 ديسمبر 2004)
التفاصيل: مجموعة مسلحة اقتحمت القنصلية الأمريكية بجدة، واحتجزت رهائن داخل المبنى.
النتائج: مقتل 5 موظفين غير أمريكيين وإصابة عدد من رجال الأمن.
المخطط: اقتحام منظم عبر تسلق أسوار القنصلية وبدء هجوم مسلح داخلي.
الرد الأمني: قوات الأمن الخاصة اقتحمت المبنى وأنهت العملية.

الاستراتيجيات السعودية في مواجهة القاعدة
تسببت العمليات الإرهابية التي نفذها تنظيم القاعدة في السعودية بين عامي 2003 و2006 في إحداث نقطة تحول في استراتيجية مكافحة الإرهاب في السعودية. لقد دفعت هذه الأحداث الاستثنائية والدامية الحكومة السعودية إلى إعادة النظر في كفاءة عمل مؤسساتها الاستخباراتية والأمنية واعتماد سياسات تطوير وتحديث وتحسين عمل هذه الأجهزة بالإضافة إلى تطوير سياسات أمنية شاملة لمواجهة التطرف من زوايا متعددة، أمنيًا وفكريًا وسياسيًا.
يمكن القول أن هذه السياسات والإجراءات كانت فعالة بالنظر إلى سرعة وفاعلية هذه السياسات في تظويق التنظيم والقضاء على قياداته ومقاتليه. وفيما يلي أبرز هذه السياسات والتأثيرات والتغييرات:
تعزيز القدرات الأمنية والاستخباراتية: عمدت السعودية إلى تأسيس وحدة خاصة لمكافحة الإرهاب مزودة بأحدث التقنيات. كما قامت بزيادة التعاون في مجال تبادل المعلومات الاستخباراتية مع حلفائها مثل الولايات المتحدة وبريطانيا، وهو ما أدى إلى إحباط عشرات الهجمات الإرهابية قبل وقوعها بفضل المعلومات الاستباقية.
الإصلاحات الأمنية والسياسية: قامت الحكومة السعودية بإجراء إصلاحات داخل وزارة الداخلية وتطوير أنظمتها لمواكبة التحديات الأمنية، بما يشمل توسيع صلاحيات الأمن العام والمباحث العامة لمواجهة الشبكات الإرهابية بشكل أكثر فاعلية. كذلك الارتقاء بمستويات التدريب للعناصر وتحسين مخرجات الكليات الأمنية والارتقاء بمستوى الخريجيين.
تطوير نظام حماية المنشآت الحيوية: اعتمدت السعودية نظاماً صارمًا في حماية المنشآت النفطية مثل مصافي النفط في بقيق ورأس تنورة، باعتبارها أهدافًا استراتيجية للتنظيمات الإرهابية. كما قامت بتعزيز الأمن السيبراني لحماية البنى التحتية للمؤسسات الحكومية وهذه المرافق من أي محاولات اختراق أو هجمات رقمية.
برامج إعادة التأهيل الفكري: أطلقت وزارة الداخلية برنامج المناصحة عام 2004، بهدف إعادة تأهيل الموقوفين في قضايا إرهابية فكريًا ودينيًا. وفيما حقق البرنامج نجاحات في إعادة دمج العديد من المشاركين في المجتمع لكنه تعرض أيضًا لانتقادات بسبب بعض حالات الانتكاس التي تسببت في الإفراج عن محكومين قاموا بعمليات بعد الإفراج عنهم.
مراقبة التمويل المالي: شددت السلطات الحكومية الرقابة على الجمعيات الخيرية والمؤسسات المالية لمنع تمويل الإرهاب عبر تقنيين عمليات جمع التبرعات للأعمال الخيرية، كما قامت بإنشاء وحدة استخبارات مالية لمتابعة العمليات المشبوهة والتحويلات المالية غير القانونية.
حملات إعلامية وتحسسية: أطلقت الحكومة حملات إعلامية مكثفة لتحذير المواطنين من أفكار التطرف والإرهاب والترويج لخطاب ديني معتدل عبر وسائل الإعلام والمنابر الدينية بالتعاون مع علماء الدين.
أبرز قادة التنظيم وقياداته
يوسف صالح العييري: يُلقب بـ “البتار”، رجل دين وداعية وجهادي، أول أمراء التنظيم في السعودية. ويٌعرف العييري بأنه أحد النشطاء في مجال الكتابة والتأليف في فقه الجهاد وإصدار الصوتيات الدعوية.ولد في مدينة بريدة وانتقل إلى أفغانستان قبل اكماله التعليم الثانوي للمشاركة في الحرب الأفغانية، التحق بمعسكر الفاروق للتدريب ثم رافق بن لادن في السودان حيث كان أحد حراسه الشخصيين.
قاتل العييري في الصومال والبوسنة قبل عودته إلى السعودية حيث كثف جهوده على جمع التبرعات والدعوة للجهاد. اعتقلته السلطات السعودية في 1996 وأفرج عنه بعد عامين.
في مايو 2003، كان ضمن قائمة الـ 19 المطلوبين لوزارة الداخلية السعودية. يعتبر المسؤول الأول عن عملية شرق الرياض التي استهدفت 3 مجمعات سكنية وأودت بحياة 35 شخصًا.
في 2 يونيو 2003 أعلنت السلطات السعودية عن مقتل العييري في مدينة تربة شمال شرق حائل بعد صدام مسلح.
تركي الدندني: تركي ناصر مشعل الدندني، أحد أبرز القادة الميدانيين في “تنظيم القاعدة في السعودية” خلال فترة إدارة يوسف العييري للتنظيم وساعده الأيمن. ولد في منطقة الجوف، والتحق بمعسكرات تنظيم القاعدة في أفغانستان.
لدى عودته إلى السعودية شارك في عدة اشتباكات مسلحة مع رجال الشرطة في العاصمة الرياض والمناطق المحيطة بها. كما أنه كان المخطط لعملية استهداف قاعدة الأمير سلطان الجوية عبر إطلاق صاروخ سام (7) على الطائرات وقت إقلاعها، كما أنه كان قائد تفجير المجمعات الثلاثة شرق الرياض (الحمراء- فينيل- اشبيليا).
في يوليو 2004، أعلنت السلطات السعودية مقتله في مواجهات أمنية بقرية الصوير شمال السعودية.
خالد الحاج: تولى قيادة تنظيم القاعدة في السعودية بعد مقتل العييري، يحمل خالد الحاج (أبو حازم الشاعر) الجنسية اليمنية وهو من مواليد العام 1973.
ولد في مدينة جدة ونشأ فيها، غادر إلى أفغانستان والتحق بمعسكرات القاعدة، سُجن بعد عودته وصدر قرار بترحيله.
بعد ترحيله عاد لأفغانستان ثم السودان ثم عاد إلى السعودية مجددًا. أدرج ضمن قائمة المطلوبين الـ 26 لوزارة الداخلية السعودية.
في 15 مارس 2004، أعلنت السلطات السعودية مقتل خالد الحاج في كمين مسلح.
خالد الجهني: من أهم قيادات تنظيم القاعدة في السعودية. تولى عمليات التنسيق والاتصال بين القاعدة في أفغانستان والسعودية. قبل اكمال تعليمه الجامعي، انتقل إلى أفغانستان عام 1992 حيث شارك في عمليات عسكرية في البوسنة والشيشان. عاد إلى السعودية وظهر في شريط فيديو مع ابن الشيبة أحد أهم الشخصيات في تنظيم القاعدة.
في مايو 2003، كان أحد الانتحاريين الذي شاركوا في استهداف المجمع السكني في حي الحمراء في العاصمة الرياض.
عبد العزيز المقرن: ثالث قادة تنظيم القاعدة في السعودية. تولى القيادة بعد مقتل خالد الحاج وهو أحد أشرس القادة وأكثرهم دموية حيث اشتهرت فترة قيادته للتنظيم بعمليات الاغتيال والاختطاف والنحر للأجانب.
ولد المقرن في مدينة الرياض وانتقل لمعسكرات أفغانستان أواخر الثمانينات قبل إتمام تعليمه الثانوي، قاتل في أفغانستان والبوسنة وأثيوبيا. ارتبط بعمليات تهريب الأسلحة إلى التنظيم في الجزائر حيث تعرض للاعتقال قبل تخليصه لينتقل إلى القتال مع جماعة مسلحة في إقليم (أوغادين) ضد القوات الاثيوبية حيث تم اعتقاله وتسليمه إلى السعودية.
أصدرت محكمة سعودية حكماً يقضي بسجن المقرن 4 سنوات وأطلق سراحه بعد قضاء نصف المدة. عاد المقرن إلى أفغانستان ثم عاد إلى السعودية بعد سقوط طالبان حيث تولى مسؤولية تدريب المنتمين الجدد للتنظيم في السعودية.
في يناير 2004، استطاعت القوات الأمنية السعودية القضاء على المقرن مع ثلاثة من الجهاديين وهو: فيصل الدخيل وتركي المطيري وابراهيم الدريهم.
سعود العتيبي: رابع قادة التنظيم في السعودية، كان أحد المطلوب في قائمة الـ 26 لوزارة الداخلية السعودية، قتل بعد مواجهات مع رجال الأمن فيما يعرف باشتباكات مدينة الرس عام 2005.
صالح محمد عوض الله العوفي: ولد عام 1966 – وتولى قيادة تنظيم القاعدة حتى أغسطس 2005، يعتبر أخر القادة البارزين لتنظيم القاعدة في السعودية قبل تحوله إلى تنظيم القاعدة في جزيرة العرب.
عسكري سابق عمل في ادار ة السجون ما بين العامين 1988 و1992، شارك في القتال داخل أفغانستان والشيشان حيث أصيب وتمت إعادته إلى السعودية. كان ضمن قوائم المطلوبين في قائمة الـ 19 المطلوبين لوزارة الداخلية السعودية وكذلك قائمة المطلوبين الـ 26 في عام 2004 وقائمة المطلوبين الـ 36 في عام 2005.
كان المسؤول عن التخطيط والتنفيذ للهجوم على القنصلية الأمريكية في جدة (ديسمبر 2004). في 18 أغسطس 2005، أعلنت السلطات السعودية عن مقتل العوفي في المدينة المنورة حيث قام بتفجير نفسه بعد أن حاصره رجال الأمن. تبعه في قيادة التنظيم فهد الجوير.
ناصر عبد الكريم الوحيشي: يمني الجنسية، ولد في أكتوبر 1976 وهو أول القادة المعلنين لـ “تنظيم القاعدة في جزيرة العرب”. عمل الوحيشي كسكرتير خاص لأسامة بن لادن، غادر أفغانستان في 2001 ليُعتقل في إيران التي قامت بتسليمه للسلطات اليمنية، هرب من السجن في فبراير 2006.
في 19 يناير 2010، أُدرج اسمه في قائمة لجنة الجزاءات المفروضة على القاعدة كما أدرج اسمه في قائمة الإرهابيين المطلوبين في السعودية واليمن. في 12 يونيو 2015، قتل الوحيشي بغارة لطائرة بدون طيار في مدينة المكلا شرق اليمن.
قاسم الريمي: كنيته “أبو هريرة الصنعاني” وعين قائداً للتنظيم خلفاً لناصر الوحيشي. في 2005، صدر على الريمي حُكم بالسجن بعد إدانته بتهمة التخطيط لاغتيال السفير الأمريكي في اليمن. استطاع الفرار من السجن عام 2006.
في 2007 أعلن الريمي والوحيشي ظهور تنظيم القاعدة في اليمن وأدرج في لجنة الجزاءات المفروضة على القاعدة بسبب “المشاركة في تمويل أعمال أو أنشطة يقوم بها تنظيم القاعدة في جزيرة العرب”. كان الريمي من أعلن عن تبني تنظيم القاعدة لعملية اقتحام مستشفى وزارة الدفاع اليمنية حيث قتل 60 شخصاً منهم أطباء ومرضى، وقتئذ وردًا على الادانة الواسعة للعملية، أعلن الريمي عن استعداد القاعدة دفع ديات القتلى وتعويض الجرحى وترميم المستشفى.
في 23 فبراير 2020، أكد تنظيم القاعدة عن مقتل الريمي وأعلن عن خالد باطرفي خلفًا له.
خالد باطرفي: هو أول سعودي يترأس “تنظيم القاعدة في جزيرة العرب”، أشرف على الشبكة الإعلامية للتنظيم وقاد مقاتليه في معارك التنظيم ضد الحكومة اليمنية في محافظة أبين عام 2011،.
في 17 مارس 2011، ألقي القبض على باطرفي من قبل قوات الأمن وبقي في السجن المركزي بالمكلا لأربع سنوات، وأطلق سراحه عند اقتحام مسلحي القاعدة السجن عام 2015.
أصبح قائد تنظيم القاعدة في جزيرة العرب بعد مقتل قاسم الريمي.
في 10 مارس 2024، أعلن تنظيم القاعدة في جزيرة العرب عن وفاة خالد باطرفي.
سعد بن عاطف العولقي: يلقب بـ “أبو الليث”، الأمير الحالي لتنظيم القاعدة في جزيرة العرب. ولد في محافظة شبوة ما بين العامي 1978 و1983. كان عضواً في مجلس شورى التنظيم.
قبل تعيينه أميرًا كان والعولقي يقودان قطاعات متضاربة في تنظيم القاعدة بسبب خلافات مناطقية وقبلية. حاليًا، يرصد برنامج الولايات المتحدة “مكافآت من أجل العدالة”، مكافأة قدرها 6 ملايين دولار أميركي لمن يدلي بمعلومات تؤدي إلى القبض على العولقي.
بين النهاية والولادة الجديدة
في أغسطس 2024، أعلنت وزارة الداخلية السعودية عن “تنفيذ حكم الإعدام بحق مواطن – اعتقل عام 2000 – لارتكابه أفعالاً مجرمة (…) والإشادة بزعيم تنظيم القاعدة الإرهابي والثناء عليه، وتأييده للفكر الإرهابي وللأعمال الإرهابية”.
وفي ديسمبر 2024، أعلن تنظيم القاعدة في جزيرة العرب عن “إعدام 11 يمنياً بينهم صحافي معتقل منذ 2015”.
بشكل عام، لا يزال تنظيم القاعدة يشكّل تهديداً أمنياً على المستوى الإقليمي والدولي، والسعودية ليست استثناءً من هذا التهديد. ورغم نجاح الأجهزة الاستخباراتية والأمنية السعودية في توجيه ضربات قوية للتنظيم داخل أراضيها، وهو ما أدى إلى تراجع نشاطه بشكل كبير وانتقال قياداته وأغلب عملياته إلى اليمن، يمكن الذهاب إلى أن التهديدات الفردية أو المحاولات المحدودة من خلايا نائمة أو عناصر عائدة من بؤر الصراع تبقى احتمالاً قائماً.
وإلى جانب أن التنظيم في نسخته الكبيرة “جزيرة العرب” يواصل نشاطه في اليمن حيث ينفذ بشكل مستمر هجمات ضد القوات الحكومية جنوب اليمن في إطار سعيه لتعزيز نفوذه، يمثل الفضاء الرقمي ساحة للتأثير والتجنيد داخل السعودية، مزاحمًا في ذلك تنظيم داعش الذي يبدو أكثر نشاطًا وتركيزاً، وهو ما يتطلب من الحكومة السعودية مراقبة مستمرة.
على مستوى المتغيرات الإقليمية والدولية ولعبة الصراعات والتحالفات السائلة في المنطقة، ورغم الخلاف الأيديولوجي بين القاعدة وإيران، هناك اتهامات بأن إيران كانت ولا تزال توفر ملاذًا وممرات آمنة لبعض عناصر القاعدة، وهو ما يحيل إلى أن طبيعة العلاقات بين السعودية وإيران تؤثر بشكل كبير على تنظيم القاعدة وامتداداته وأنشطته.
بعد انسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان في 2021 وعودة طالبان إلى سدة السلطة في البلاد، تعززت المخاوف من أن تصبح أفغانستان مجددًا، ملاذًا آمنًا لتنظيم القاعدة. ورغم إعلان طالبان التزامها باتفاق “الدوحة 2020” الذي ينص على “عدم السماح باستخدام الأراضي الأفغانية لتهديد أمن الدول الأخرى” إلا القاعدة ترتبط تاريخيًا بعلاقة وثيقة مع حركة طالبان، يضاف لذلك، استفادة طالبان من التحالف مع تنظيم القاعدة في مواجهة تنظيم داعش – ولاية خراسان.